كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



10- ثم قال جل وعز إنهم {لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} [آية 12] روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ الحسن {لا إيمان لهم} قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم.
11- وقوله جل وعز: {وهم بدؤكم أول مرة} [آية 13] قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله ثم قال: {أتخشونهم} أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد. قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12- ثم قال جل وعز: {ويتوب الله على من يشاء} [آية 15] وهذا منقطع مما قبله.
13- وقوله جل وعز: {أم حسبتم أن تتركوا} [آية 16] وذلك انهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين.
14- ثم قال جل وعز: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} [آية 16] وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد.
15- ثم قال جل وعز: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} [آية 16] الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله.
16- وقوله جل وعز: {ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله} [آية 17] هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} ومن قرأ {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} فتحتمل قراءته معنيين: أحدهما: أن يكون لجميع المساجد والآخر أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله: {إنما يعمر مساجد الله} على الجمع.
17- وقوله جل وعز: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} [آية 19] والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال: {واسأل القرية} ومن قرأ: {أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام} فهو عنده على غير حذف قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة.
وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم الا تهاجر الا تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعمر البيت وأحجبه وفي فنزلت {أجعلتم سقاية الحاج} إلى آخر الاية.
18- وقوله جل وعز: {أعظم درجة عند الله} [آية 20] أي من غيرهم أي ارفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز كل الذي ظفر بامنيته.
19- ثم قال جل وعز: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان} [آية 21] أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة.
20- وقوله جل وعز: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} [آية 25] أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به.
21- ثم قال جل وعز: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} [آية 26] أي ونصركم يوم حنين قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله.
22- وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس} [آية 28] يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم.
23- وقوله جل وعز: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [آية 28] روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} إلا ان يكون عبد أو أحد من أهل الجزية وهذا مذهب الكوفيين ان المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد.
ومذهب الشافعي ان المشركين هاهنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي تصان فيجب على هذا ان ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم.
24- وقوله جل وعز: {وإن خفتم عيلة} [آية 28] والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه {ووجدك عائلا فأغنى} وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود: {وإن خفتم عائلة} ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد.
25- وقوله جل وعز: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [آية 29] المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيما الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز.
26- ثم قال جل وعز: {ولا يدينون دين الحق} [آية 29] قال أبو عبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد ** في دين عمرو وحالت دوننا فدك

27- ثم قال جل وعز: {من الذين أوتوا الكتاب} [آية 29] وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن يجروا مجراهم.
28- ثم قال جل وعز: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [آية 29] روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وهم صاغرون} قال يمشون بها ملبين وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم ثم قال وهم صاغرون قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به.
29- ثم قال جل وعز: {ذلك قولهم بأفواههم} [آية 30] يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة.
30- ثم قال جل وعز: {يضاهون قول الذين كفروا من قبل} [آية 30] أي يشابهون ويقتفون ما قالوا ويقرأ {يضاهئون} والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض ويقال هي التي لا ثدي لها والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال: {يضاهئون} ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون.
31- ثم قال تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} [آية 30] فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا ثم قال: {أنى يؤفكون} أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان.
32- ثم قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [آية 31] روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} هل عبدوهم فقال لا ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما احل الله لهم فيحرمونه.
33- وقوله جل وعز: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [آية 34] يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل على الذهب والفضة هاهنا.
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} وفي هذه الآية أقوال روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب.
وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا فلا لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ.
وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده». وذكر الحديث.
34- وقوله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم} [آية 36] الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ثم قال جل وعز: {ذلك الدين القيم الدين} هاهنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى وعن ابن عباس ذلك الدين القيم قال القضاء القيم وقال أبو عبيدة أي القائم {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [آية 36] أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} في الاثني عشر وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن.
35- وقوله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [آية 37] النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك.
36- ثم قال جل وعز: {يضل به الذين كفروا} [آية 37] قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم ودل على هذا قوله ولا جدال في الحج أي إنه في ذي الحجة قال أبو جعفر وابين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال كان جنادة بن أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي الا إن ابا ثمامة لا يخاب ولا يعاب الا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه وقرأ الحسن {يضل به الذين كفروا} يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا ويروى عن عبد الله بن مسعود {يضل به الذين كفروا} أي يضل به الذين يقبلون من الحساب ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله} أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة.
37- وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض} [آية 38] قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال.